NIHIL MIRARI

الأربعاء، 19 فبراير 2014

الكارافاجو و رؤوسه المقطوعة - ميدوزا نموذجا



الكارافاجو و رؤوسه المقطوعة - ميدوزا نموذجا





الكارافاجو


Méduse1597-15981. Huile sur toile montée sur bois,tondo de 55 cm de diamètre, FlorenceGalerie des Offices.









أسلوبه يجرّ الانسان الى الهاوية و يجرّ الرسم ـ هذا الفن النبيل و الجليل ـ الى الخراب ... لو استجاب الكارافاجو لكل المتطلبات لاصبح رساما مجيدا غير انه كان جاهلا بالاشياء المثالية , لقد كان مقيدا بكل ما هو طبيعي . 


مالافازيا في كتابه فلسينا الرسامة 1678


أسلوب مفرط و اسود 
طبعه قاده الى اسلوب مظلم يتطابق مع شخصيته الصاخبة و المستفزة 
... تقليد الاشياء الحقيرة , البحث عن القذارة و التشوهات ... 
بلوري في كتابه حياة الرسامين و النحاتين
و المعماريين المحدثين 1672


لا يحترم غير الهوى الذي يحسن تأويل قدرته البركانية بموهبة كبيرة 
يوركهاردت في كتابه شيشرون


كان يرسم الطبيعة بكل ما فيها من معيب
و حقير 
القاروتي في كتابه حكم حول الرسم 1760



هذا الرجل كان رساما كبيرا غير انه لم يكن رساما مثاليا . كان يكتفي بتقليد الطبيعة 

سكاراموتشا في كتابه رهافة الاقلام الايطالية 1674



انه عجيبة الفن / انه ذهول الطبيعة 
جيقلي في كتابه انتصار الرسم 1615



هذا الرجل قاتل . و لكن طاقة مزاجه منعته من السقوط في الرسم الغبي و النبيل ... لم يكن الكارافاجو يصلح عيوب مود يلاته التي كان يوقفها في الشارع 

ستاندال في كتابه نزهات في روما 1829



ذاك , نعم , كان بحق يهرس اللحم 
ذلك ما قاله عنه الرسام الايطالي حنبعل كاراتشي
ورد في كتاب لانزي تاريخ الرسم في ايطاليا 1789




اذا كان بوسان يبحث عن النبل في مواضيعه فان الكارافاجو كان منقادا الى حقيقة الطبيعي كما كان يراه . لقد كانا متقابلان ... كان يقلد ما تراه عيناه 

فيليبيان في كتابه حوارات حول حياة و اعمال الرسامين الممتازين القدامى و المحدثين




لقد جاء ليحطم الرسم 

هذا ما قاله عنه الرسام نيكولا بوسان



العبقرية الشرسة العارية 

اندريه شاستال في مقدمة كتاب الكارافاجو



كان يغمر مشاهده في الظلام , يصفعها بدفعة من الضوء الذي يلامسها و هكذا كانت بعض الاجزاء فحسب تطفو من الظلمات في الضوء 

مارانقوني في كتابه الكارافاجو 1992





هكذا كتب عنه العديد من الرسامين و النقاد


هذا الرسام الذي نسي ثم اعيد اكتشافه في القرن العشرين






في تاريخ الرسم لا أحد من الرسامين ـ غير ميكال ـ انجلو مريزي الملقب بالكارافاجو ـ رسم عددا كبيرا من الرؤوس المقطوعة او المذبوحة او التي تكاد تذبح


1 ـ جوديت 1598


2 ـ رأس ميدوزا 1598 1599

3 ـ دافيد 1600

4 ـ قربان اسحاق 1601 1602

5 ـ دافيد 1606 1607

6 ـ سالومي 1607

7 ـ ذبح القديس يوحنا المعمدان 1608

8 ـ دافيد ـ 1609 1610


لماذا كل هذه الرؤوس المقطوعة ؟


الكارافاجو رسّام التصادم 


ما لا يطاق


الموت


تصادم الضوء و الظلام


العنف


المواجهة الشرسة


العلاقات الدرامية 


لوحاته مشاهد مسرحية


درامية


الحياة


الصراع , قطب الحياة


وماهيتها


رسّام غير قابل للترويض


إنه الولد السّيء


المتوحش . الهمجي


رسّام الهروب


الغموض و الايحاء


لا تستطيع اختزال لوحاته


في قراءة واحدة . النقاد


و المؤرخون مختلفون حول


مقاصده


سيّد التقابل


التناقض


سيّد الخرق و التجاوز


الخرق


يساوي الخلق


الكارافاجو الرسّام الذي كان يتعمد الفضائح


اللوطي


الرجل / المرأة


الذي كانت تلاحقه التتبعات


القضائية 


القاتل الهارب : في 6 ماي


1606 قتل رجلا بعد


مبارزة دارت بينهما . فرّ


من روما بعد ان اصدروا


ضدّه حكما بالاعدام


و عاش حياته متنقلا بين


العديد من


المدن : نابولي


مالطا , صقلية


المقتول الذي عثر على جثته


في احد الشواطئ . مات وهو


في قمة المجد و الشهرة ( لا


زالت تحوم العديد من الشكوك


حول سبب موته , هل قتل


ام مات متأثرا بمرض ما )






الكارافاجو الذي اسس لاسلوب فني جديد احدث قطيعة مع تراث الرسم الايطالي : رافئيل ومايكل انجلو و دافنشي و بوتيتشيلي ... قطع خاصة مع مدرسة فلورنسا التي كانت تولي اهمية بالغة للرسم الخطي و التي كانت تحرص على ان تمثل الانسان في صورة مثالية الاهية باعتبار ان غايته الاساسية هي الارتقاء من المرتبة الحيوانية الى المرتبة الالاهية .


الكارافاجو كان يرسم الواقع كما هو


الطبيعة بكل وحشيتها و همجيتها


اللعب بالضوء و الظلام بكل حدة و عنف


الضوء يسقط على الشخصيات او المشاهد , يأتي من مصدر غير معروف . ضوء يمسح اللوحة . يقطع الكارافاجو و بكل حدة بين الضوء و الظل . لا حلول وسطى . الضوء او الظلام هما اللذان ينظمان الاشكال و ليست الخطوط كما هو الحال في الرسم الكلاسيكي .


في المرحلة الاخيرة من حياته اصبح الظلام الخلفية الاساسية للوحاته . السواد السواد السواد


اسلوب له حضور قوي و فعّال في تاريخ الرسم و الفن . إنه الكارافاجيزم Le caravagisme


نرى اسلوبه في أعمال رسامين كبار : رمبراندت , روبنس , فيلاسكواز , دي لاتور , بوسان ...


الكثير من العنف في لوحاته


لم يكن هناك تقابل بين حياته و رسمه


لا انفصال بين حياته و فنه


الموت موضوع اساسي في لوحات الكارافاجو . و الحياة ايضا


كأنه يلاعب الموت


أو يلعب معه 


كأن هذا الرسّام يتماهى مع الموت


الرسّام يرسم مشهد القتل


يده تقطع الرأس , تذبحه ... دم مرعب كثير


يسيل


مشاهد كثيرة دامية


او يرسم القاتل وهو يمسك برأس المذبوح


كل اللوحات تتضمن القاتل و المقتول او الذابح و المذبوح


رؤوس مذبوحة او تكاد تذبح


نساء قاتلات و رجال قتلة


شباب و شيوخ


الضحية و الجلاد


رعب الضحايا و برودة الجلاد


اللوحة الوحيدة التي تتضمن رأسا مقطوعا فحسب هي لوحة رأس ميدوزا


رسام يرسم لوحة موضوعها رأس مقطوعة


احتفل الكارافاجو بالموت – منذ شبابه – فاللوحة تنتمي الى مرحلة الشباب . كان له من العمر 23 سنة عندما رسمها


و واصل سلسلة اللوحات التي تعرض مشاهد موت و قتل و ذبح ... طيلة حياته الصاخبة المجنونة


بعض النقاد يعتبرون ان الوجه الذي رسمه الكارافاجو


في لوحة الميدوزا ليس في حقيقة الامر الا وجهه عندما كان شابا


لقد رسم نفسه مقطوع الرأس عندما أعطى


وجهه لغوليات Goliath في لوحة دافيد 1609- 1610


رأس ميدوزا نموذجا


في الميثولوجيا الاغريقية تمثل ميدوزا احدى المسوخ الاسطورية 

gorgones


ميدوزا ملك او ملكة


احدى ثلاث كائنات لها هيئة الوحش


و هنّ ستينو 

Steno 


و اوريال


Euryale


و ميدوزا

Meduse


بنات آلهة بحرية


تسكن بعيدا في الغرب على ضفاف نهر المحيط


آلهة خالدة , ما عدا ميدوزا التي قتلها بيرسي 


Persée


تقول الاسطورة ان بوسيدون اله البحر كان


عشيق ميدوزا و كانت حاملا منه لما قتلها بيرسي


يقال انها كانت آلهة جميلة


اثينا آلهة الحكمة و الحرب أعطت بيرسي


القدرة على قتل ميدوزا لانها ادعت انها اجمل منها


غير ان العديد من الرسومات كانت تعرضها في شكل وجه قبيح جدا


شعر من الثعابين ( كان شعرا جميلا جدا غير


ان اثينا غارت منها فحوّلته الى ثعابين )


و لها انياب خنزير


أجنحة من ذهب


تبتسم بطريقة مرعبة


انفها أفطس


لسانها مندلق


وجهها تغمره لحية


عينان براقتان


يدان من البرونز


مشية وقحة


اذا نظر احدهم الى احداها يتحول الى صخرة


إنها وحش


قتلها بيرسي باستخدام درعه البرونزي المصقول كمرآة الذي اهدته إياه أثينا و الذي وجهه اليها كمرآة


ثم قطع رأسها بضربة واحدة


نظرتها الى وجهها جمّدتها


ظلها اخذ الى هاديس الجحيم الاغريقي , هناك تروّع الموتى


الكارافاجو المفتون بالموت لا بد ان تمثل له الميدوزا افضل اسطورة او موضوع يرسمه


ما الذي رسمه الكارافاجو في هذه اللوحة ذات الشكل الدائري ؟


اللوحة هي درع بيرسي و قد انعكس فيه وجه الموت


إنها اللحظات الاخيرة من حياة ميدوزا


رأس ميدوزا المقطوع الذي يسيل منه دم كثير مخيف


رسم الميدوزا في حالة رعب بعد ان تحيّل عليها بيرسي و جعلها ترى نفسها في المرآة


وجّهت نظرتها المجمّدة القاتلة الى نفسها


اللوحة ترسم لحظة الرعب


وجّهت سلاحها الى ذاتها فقتلت نفسها بنفسها


ارغمها على الانتحار بالنظر الى نفسها . خلّص منها البشر


الميدوزا لا تنظر لك أيّها المشاهد . إنّها


تنظر في وجهها في المرآة . تفتح


فمها, تفتح عيناها , تتسع 


عيناها استنكارا و رفضا و دهشة و قهرا


اللوحة هي الدرع الذي وجهه بيرسي الى الميدوزا ليقضي عليها


هذه اللوحة تمثل لغزا حيّر الكثيرين


لماذا لا تنظر الينا ؟


حتى لا تجمدنا ؟


هل ميدوزا هي الرسّام الذي يجمّد المشاهد امام لوحاته بفضل مهارته الفنية و قدرته على شد انتباه المشاهد الى حد التحجر غير انه اذا اراد ان يرى نفسه او اذا اجبر على ان يرى نفسه يقتل نفسه بنفسه , يتجمد ؟


هل يجب على الفنان ان يتخلى عن هذه الغاية حتى لا يحدث له ما حدث لميدوزا ؟


هل يجب على الفنان ان لا يتلاعب بالمشاهد ؟


هل هذا يعني ان الكارافاجو يرفض ان يكون الفنان ساحرا ؟


هل يجب على الفنان ان يتخلى عن رؤية نفسه بنفسه ؟


هوامش


- انظر التحليلات الرائعة للوحة رأس الميدوزا التي قام بها لويس ماران في كتابه تحطيم الرسم Detruire la peinture حيث قارن بين الكارافاجو و بوسان Poussin


- كتب الاديب الفرنسي دومينيك فرننديز رواية 

متميزة عن الكارافاجو بعنوان

La course à l abime



سلاف عباس

الكارافاجو و رؤوسه المقطوعة

( مخطوط)  

2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.