NIHIL MIRARI

الخميس، 3 يونيو 2021

طريق تحت البحر - سلاف عبّاس - ديوان ألعاب

طريق تحت البحر

 

" يا له من طريق طويل مبنيّ تحت البحر في منطقة الجزر بين الجزيرة والقارّة!!

نعم

طريق بناه تحت البحر

هكذا يمنع عزلة الجزيرة عن القارّة

يمنع هروبها

الجزيرة ينحسر عنها الماء أربع ساعات

عند الجزر نعبر الطّريق مشيا أو بالدّرّاجة أو السّيّارة

المدّ يغطّيها حتّى الغرق ستّة أمتار

أربع ساعات تنعزل الجزيرة و أربع ساعات تتحرّر من الماء وأربع ساعات أخرى تنعزل الجزيرة      وأربع ساعات تتحرّر"

 

" كم ابتلعت تلك الطّريق!؟ كثّر

هاربون ومغامرون وصيّادون ومستكشفون وعشّاق وقتلة وسحرة ورياضيّون ومرتزقة وبحّارة وكتبة   ومنتحرون وشعراء وقوّادون ومتمرّدون ولاجئون ومهرّبون ومحاربون  ومزوّرون

فرّوا من الهزيمة إلى الجزيرة

فرّوا من النّذالة أو الخيانة

لكنّ الطّريق الطّويلة غادرة

بنوا بمحاذاتها مصاطب للإرشاد

رؤوسها مضيئة ليلا تحدّد المكان

يلتجئ إليها من فاجأهم الماء

يهرب إليها من لم يلتزموا بالإشارات

إشارات أوقات المدّ والجزر

الرُّذّال والفضوليّون والمجانين والعنيدون والحمقى والمتهوّرون والبله والمخذولون والغفّل يصعدون ويمكثون هناك

حتّى يعود الجزر أو تأتي النّجدة من الجزيرة أو من القارّة

كم عدد الّذين أنقذتهم تلك المصاطب؟ العدد كبير

في الجهة الأكثر مياها

نعم

ضفّتا الطّريق مختلفتان

إحداهما أكثر عمقا وغرقا من الأخرى

هنا سيّارات سجنها الماء حتّى اكتسحها الصّديد

هنا درّاجات وشاحنات

هنا هياكل عظميّة لكلاب وخيل وأغنام

انزلقوا

إنّه الوحل إنّها الطّحالب

والبرد وانحسار الضّوء والمطر المفاجئ

وزوارق و سفن

عندما ينحسر الماء تظهر في كامل بهاء خرابها

عند صعود الشّمس أو نزولها"

 

" متى تمرّ؟ كيف تمرّ؟ ما هو الزّمن المناسب للمرور؟

الأسئلة المصيريّة اليوميّة أسئلة الحياة أو الموت

أسئلة القلق والخشية والرّهبة والخوف والذّعر والفزع والرّعب

نذهب أم لا؟ نحاول أم لا؟

الماء آخذ في إغراق الطّريق

حساب سرعته وسرعتنا

السّيّارة أم الماء؟ الشّاحنة أم الماء؟"

 

" هذه القبور هل تراها؟

بنوا قبورا للغرقى

قبور في بداية الطّريق وقبور في نهايتها

قبور مجهولة أسماء سكّانها

جثث متعفّنة التقطت من البحر بعد أن طفت عليه وأخرى ألقاها الماء على الرّمل أو على الصّخور بعد الجزر

اختلفوا فيم بينهم

يتركونها -سياحة القبور رائجة ونافعة جدّا- أو ينقلونها إلى مقبرة الجزيرة"

 

 

"الأبّ صيّاد محار وسندانيّة وسلطعون وجراد البحر الرّماديّ والورديّ

السّلطعون يلتقطه من الصّخور العائمة أو داخل ثناياها وتحت الحجارة الكبيرة أو يحفر الرّمل ليلتقط المحار  المدفون في قلب الرّمل

هذا ثقب في الرّمل الحيوان هنا

يمشّط أو يغرس في الرّمل أداته ليلتقط الرّمل        

"أنا كنت أحمل أسلحة الصّيد، نعم هي أسلحة. تصلح للصّيد أو للهجوم أو الدّفاع. هكذا أتعلّم مقاومة كلّ من يهاجمني. تعلّمت الصّيد والدّفاع عن نفسي. كان يصنعها بنفسه. علّمني أن أصنع أسلحتي بنفسي. لي مجموعتي الخاصّة. سكّين معقّف، بأسنانها الثّلاث لتمشيط الرّمل. الحذاء المطّاطيّ."

نجا مرّات عديدة من المدّ

أنقذته مهارته في السّباحة

يبيع صناديق السّلطعون وجراد البحر

اشتغل مع الشّرطة في مراقبة أوقات المدّ والجزر

سباق ضدّ البحر ضدّ الزّمن ضدّ التهوّر

حماية الزّوّار من الماء الجبّار حمايتهم من أنفسهم

واشتغل حارسا يراقب الاستهلاك المفرط للرّزق ويمنعه

منع الصّيد من الغروب إلى الشّروق

كم مرّة هدّد بالضّرب و ضربوه

إحدى العصابات حاولت قتله

رُذّال الجزيرة كثيرون

 " يصطاد المحار من تحت الصّخور العائمة بعد قلبها. غير أنّه لا يعيدها إلى حالها الطّبيعيّ -كما أوصينا جميعا- يتركها مقلوبة حتى لا تنتج محارا إلّا بعد سنوات طويلة.

أخوه فضحه بعد أن راقبه. في يوم من الأيّام سجّل كلامه. وفضحه في مقهى الجزيرة.

   سأتركها ولن أعيدها مكانها.

   لماذا؟

   حتّى لا تنتج إلّا بعد وقت طويل جدّا.

ثمّ أصبح سارقا لصناديق المحار. أحد خدم أكبر منتج في البلد.""

                                                        

" يصطاد جراد البحر  والسّلطعون بالصّناديق

فخاخ توضع في قاع البحر تفوح منها رائحة الطّعم

تمويه

الطّمع

تظلّ حيّة في سجونها فتباع بأغلى الأسعار"

 

" ثمّ تخلّى عن الصّيد وأنشأ شركة سياحيّة

ينظّم رحلات لصيد المحار

رحلات عبور الطّريق واستكشافها

تاريخها

تأمّل غرقها في ساعات قليلة وانحسار الماء عنها

قبورها ومصاطبها

تأمّل الغروب والشّروق

يحرسهم يجنّبهم فخاخها الكثيرة:

قطيرات الماء تتجمّع وتصير غولا إنّه الضّباب إنّه الضّياع تفقد كلّ قدرة على تحديد المكان

الغوص في الوحل الطّينيّ الغرق الغرق بسبب التّعب بعد محاولات كثيرة للخروج من الوحل كلّما تحرّكت تتخلخل الأرض ثمّ تحاصرك فلا تستطيع الحركة والتّقدّم هبوط في حرارة الجسم كلّ المحاولات فشلت في إخراجه من الوحل كان وزنه ثقيلا

هنا الأمواج ليست كالأمواج

هل رأيت أمواجا لا تعود إلى الشّاطئ بل تذهب إلى البحر؟

هذه المرّة سآخذك إلى بحر لم تر  مثله من قبل هذه المرّة سترى أمواجا لا تذهب إلى الشّاطئ بل إلى داخل البحر

يجب أن تعوم بكلّ حذر حتّى لا يأخذك الموج إلى الدّاخل

البحر ليس عميقا لا عوم إلّا بالابتعاد عن الشّاطئ

وهذا يزيد من الخوف

إذا فقدت انتباهك ستبتعد كثيرا وقد تغرق لأنّك ستتعب عند العودة

وقد تفاجئك موجة كبيرة تغمرك بكلّ سرعة لتموت عند الشّاطئ"

 

" صنع  معهم الجسور العائمة

رصيف خشبيّ عائم للوصول إلى الماء

الماء هارب دائما

لتثبيت الزّوارق والمراكب والسّفن

الجزيرة يفصلها عن القارّة خليج الدّرعيّ  ومضيق الحديد

صنع معهم أراض جديدة

كان لا بدّ من نقل الأرض من ساحل القارّة والجزيرة لتوسيع السّبخة تزدهر فلاحة المحار 

صراع مع البحر

الجزيرة تجثم على طبقات من الطّين

سهل بين المستنقع والبحر يسوّره سدّ

أرض خصبة مستصلحة من البحر

هي الدّليل على انتصارهم على البحر"

 

" هذه لوحة من نحاس حفر عليها

أقرأها لك:

لماذا سقطت الحضارة؟

انتشار التّرف هيمنة القلق كثرة حدوث وباء الطّاعون سوء التّصرّف الماليّ والإداريّ غياب الرّوح الوطنيّة الخراب الّذي أحدثه البرابرة انعدام خطّ سياسيّ واضح بسبب الاغتيالات تمازج الأجناس الّذي أصبح مهيمنا على عدد السّكان فقدان الرّوح العسكريّة تغيّر المناخ وحدوث جفاف على مدى سنوات عديدة نزول عدد السّكان تفكّك الدّولة وانقسامها إلى دويلات هيمنة الرّوح المتشائمة تحطيم الثّروات  والإنتاج بسبب الجباية المشطّة هيمنة الأخلاق الانهزاميّة تحديد النّسل انحلال التّربة بسبب انعدام الكفاءة الفلاحيّة انتشار الفساد ضعف التّجارة"

 

" لعلّك تتساءل عن سبب زيارتي لهذه المصطبة دون غيرها

هل ترى هذه الأحجار  المرصّفة الرّماديّة؟ إنّها فتحة في المصطبة

المصطبة بناها وطلب أن يدفن فيها

من هذه الفتحة أدخلنا التّابوت

إنّه هنا في قلب البحر

لم يطلب أن يكتب اسمه وتبرّعه لماله من أجل بناءها كما كان يفعل أجداده الرّومان

لا أحد غيرنا يعرف هذا السّرّ" 

 

" وبنى متحفا لكلّ ما سقط من المارّين هنا.

إليه يأخذ السّيّاح."

 

" هذه صوري وأنا أدخل ذؤابة السّكين في علبة الحليب المركز المحلّى

أثقبها من الجهتين المتقابلتين       

وأمتصّ الحليب وأتلذّذ

ثمّ أرفعها ليسيل منها خيط يسقط على لساني وأصنع بركة أجعلها تغمر كلّ لساني

أبي يفعل هذا

يشتري لي العلبة ويثقبها

عندما كنت أضرب عن الطّعام

يتركها في غرفتي أو في المطبخ ويخرج

لا أقاوم رغبتي أقع في الفخّ أتخلّى عن الإضراب" 

 

" كان يقول دائما

" أريد أن أحيا صيفا واحدا

لا يهمنّي تعاقب الفصول

لا أريد أن أتّحد مع الكلّ

أبحث عن كلمات مستحيلة لأعبّر عمّا لا يقال

إذا كنتم تحاولون إقصاء الزّمان

تجرّدونه تحوّلونه إلى مجرّد فكرة

فأنا أحييه فأحياه

الحياة ليست حلما

أحيا ولا تصلح هذه الحياة إلّا إذا استعملتها وأتعبتها واستهلكتها""

 

 

 سلاف عبّاس - ديوان ألعاب

 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.