NIHIL MIRARI

الجمعة، 26 فبراير 2021

بينما تمصّ الفتاة إبهامها - سلاف عبّاس - ديوان ألعاب

بينما تمصّ الفتاة إبهامها


بينما تمصّ الفتاة إبهامها قارئة قصص عبير  وبيدها اليسرى تلعب بخصلة شعرها 

وترسم أمّ على جبين طفلها بالأخضر أو الأسود "جئتكم بالذّبح"

ويغلق نفق "الحياة" بسبب أعمال توسعة داخله

 

أغرق لساني فيها فأحيا

 

بينما تدخل المتسوّلة العجوز المقهى تصبّح علينا وتدعو بالنّجاح للتّلاميذ الهاربين من المدرسة       وتخرج دون أن يجيبها أحد

 ويلبسونها أساور للصّدمات الكهربائيّة، هي الّتي تعوّدت عادات سوء كنحت صوتها - تفريغا- بخمور غير  مقتولة، وإخاطة شفتيها احتجاجا على غلق منافذ البحر إلى دمها، وحرق كلماتها إذا سكتت عن رغباتها، كالمشي على الموسيقى إذا ناحت، والقفز على الأحد عشر بعدا، والرّكض في الجمال     

                       

أكتب، ولا أردّني إليّ

 

بينما تتسمّر عيناها في عيون الأيقونات البيزنطيّة، تأخذها إلى ما بعد الحياة. العينان المريميّتان تشير إلى الطّريق الصّحيح، أو تعلن الانتصار، أو تحتضن المسيح بصدرها السّخيّ، أو تغمرك برحمتها. بينما تتسمّر في عيون لوحات الفيّوم، تأخذها إلى الحياة العيون الواسعة تقول لك الأرض جنّتنا. بينما تتسمّر عيناها أمام الأقنعة القرطاجيّة، تحدّق إلى وجوهها الزّجاجيّة، في عيونها الجاحظة الحارسة، وأقنعة الإنويت بأيديها أو مجاديفها، تأخذ صانعها إلى أرواح المواليد الجدد، وأقنعة النّو اليابانيّة، قناع أوكينا بعينيه الضّاحكتين وتجاعيده العميقة، يطيل العمر، ويزيد المحاصيل وفرة   

 

وتقود ابنة السّبعة أعوام السّيّارة لتعود بأمّها المخمورة

 ويصرخ قائلا لطبيبه: " تقبيل الآخرين أمر يتجاوز طاقة التّحمّل عندي."

 

أصوّر لاعبي الميسر، يمتلئ بهم شارع سعيد أبي بكر

 

بينما تفيق حبّات عن نبتة بعد ثلاثين ألف سنة، تخرج من ترابها المتجمّد السّيبيريّ، خزّنها فيه سنجاب           

ويفقد رجل الشّعور بالحزن نهــــــــــــــــــــــــــــــــــائيّا

 

نتأرجح بين سطور جلجامش، وسطور يقظة فنغنس

 

بينما يصوّر رجل نفسه وهو يمارس الجنس مع فرس وكلبتين

ولا يستطيع إخبار أصدقائه بما فعلته به أغنية إن شاء الله ما بو شي

 

نقاوم

 

بينما تركب طفلة القطار  وحدها، لتذهب إلى المتنزّه كلّ يوم

وهي الوحيدة الّتي تقدر على الحبّ، تخضعه وتروّضه وتطوّعه

وينظر الخطّاط الصّيني إلى داخله - نظرة غائبة شديدة- يتأمّله ويصمته

 

أهاذر اللّقاء في قربه وإبطائه

 

بينما يزدحم القطار تقول: " وحده القطار يحقّق اللّحمة بيننا."  

وتقتل رصاصة طائشة امرأة مكتئبة خلال اِحتفالات رأس السّنة

 

أنحت في سطور كتابي تفخّره، وتفحّشه، وشموخه، وتيهه

 

بينما يغتصب رجل جثّة أخته في المشرحة

ويضرب فريق لدفن موتى فيروس التّقدّم -في بلاد التّقدّم- عن العمل، ويترك الجثث في الشّوارع

ويقرّر إبراهيم ترك 200 مهاجرا في عرض البحر شهريّا

وتستشعر بعض الكلمات العواصف قبل حدوثها

 

لا أحالف أحدا، ولا أنظمّ إلى أحد

 

بينما تتوقّف عجوز في شارع مرسيليا تصفع خدّيها مرّات، ثمّ تلتقط من الأرض أكياسها وتواصل السّير

ويحاول شحن أعضاء بشريّة من أغلى المدن في العالم

وتلتقط الممرّضة لنفسها صورا مع الموتى

ويلتقط حفّار القبور لنفسه صورة مع جثّة

 

نتسابق لتأمّل باقات سكياتشي الباروكيّة

 

بينما يتشاكس صبيان في محطّة القطار، يضع أحدهم يده على فم أحدهم، فينتزعها صارخا:          " ليستمعوا. إنّ الشّعب التّونسي حرّ."

ويأكل المهاجرون الإنجليز الأوائل إلى أمريكا لحوم البشر

وتصعد نحلة شبّاك القطار في خطّ مستقيم منتظم بكلّ شغف وحماس، وتعود من أعلاه مرغمة كأنّ قوّة تجذبها مبعثرة في خطّ معوجّ، وتعيد الصّعود بكلّ عناد ولا تتوقّف

 

نلهيه عن السّكون إلى حرقته الّتي في الحلق الّتي في الصّدر  في الرّأس من ألمه وغضبه وغيظه

 

بينما يغرق أربعة تلاميذ فى النّهر، بعد فشلهم في محاولة إنقاذ صديقهم

وينظّم مركّب الأفلام الصّور ولا يصنعها     

ويخترع أحدهم دواء يخفّف من التّفكير في الموت

 

وتعيش فتاة مع جثّة أبيها منذ سبع سنوات

ويسرق كرسيّا متحرّكا ليتسوّل به

وتغزو الأفكار هاوية فتزيد في تهالكها

 

أصادق السّادة

  سلاف عبّاس - ديوان ألعاب

نشر دار الفردوس للنّشر والتّوزيع - تونس 2021